RSS

الطريق إلى تحصين الزملاء المهندسين العاملين في مدينة حلب .. حسام صفدي

08 مارس

تلفت نظر أخبار مكافحة حالات الفساد التي تقوم بها الحكومة عدد الزملاء المهندسين العاملين في مجلس مدينة حلب  الذين طالهم موضوع الصرف من الخدمة لتورطهم بأعمال تمس النزاهة .مواضيع الفساد كانت تتعلق بشكل رئيسي بمواضيع تخص نشاط التخطيط العمراني. إن المتابع لمجريات واقع التخطيط العمراني في نصف القرن الماضي يستطيع قراءة مابين السطور ويتفهم الواقع غير الصحي الذي يعيشه المهندسون المسؤولون عن وضع وتنفيذ المخططات التنظيمية لسبب يتعلق أغلبه بقصور الأنظمة والتشريعات العمرانية التي تمكن من تحقيق العدالة بين أبناء الوطن الواحد عند وضع وتنفيذ مخططات العمران في كافة التجمعات السكنية التي تهدف بنهاية المطاف الى توفير الحياة الكريمة من خلال تأمين السكن النظامي الصحي وخدماته الضرورية لكافة أبناء الوطن.

v تم تقدير ودفع بدل استملاك المتر المربع أرض لمالكيها في منطقة الشيخ نجار الصناعية بحلب  بمبلغ 35 ليرة سورية بينما يسمح ويعاد بيع نفس المتر المربع من قبل الصناعي المتخصص بالارض بمبلغ 15000 خمسة عشر ألف ليرة سورية.

يرى الخبير بأمور التخطيط العمراني أن مثل الظاهرة الحالية التي شهدناها في مجلس مدينة حلب ومديرية الخدمات الفنية ليست الحالة الأولى في تاريخ تداول المخططات التنظيمية .لقد شهدت هذه الساحة عمليات مشابهة في أواخر السبعينيات من القرن السابق عند لجوء الدولة إلى محاربة الكسب غير المشروع في حينه وتم وضع اليد على قضايا فساد واضحة تتعلق بوضع وتنظيم الأراضي وتعديل المخططات التنظيمية , كما شهد التخطيط العمراني قضايا فساد مماثلة في مدينة حلب ودمشق في أواخر الثمانينات حيث تم إيقاف العديد من الفنيين في مجلس مدينة حلب ووزارة الإسكان والمرافق الجهة التي كانت معنية بوضع وتصديق المخططات التنظيمية في ذلك الوقت . كانت تمر بين الحين والآخرعمليات تحقيق في أشكال فساد متعددة تصب جميعها في ساحة التخطيط العمراني.

من نافلة القول أن تشريعات تحديد بدلات الاستملاك بالشكل المتدني لم تؤد إلى حالات فساد بل رافقها ضعف في أداء المخططات التنظيمية تجلى في التوق الى مخالفة ما جاء من خدمات عامة على المخططات وظهور مساحات واسعة من مناطق السكن العشوائي .

إن تدني قيم بدلات الاستملاك أدت إلى قصور في تقديم المساحات الكافية للخدمات وفي مقدمتها الخدمات التعليمية التي فشلت بتأدية التزاماتها ونتج عنها الدوام النصفي والنقص في الباحات المدرسية .كما ترتب على ذلك النقص الواضح  بالمناطق الخضراء والساحات المهيأة لوقوف السيارات وأماكن لعب وترفيه للأطفال والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة.

توقفت في مقالات سابقة عند أسباب تراجع منظومتنا العمرانية إلا أن موضوع تقدير بدلات الاستملاك يبقى في مقدمة هذه الأسباب وهو المسبب الرئيسي لحالات فساد سابقة وحالية ومستقبلية في حال بقاء المعادلة الحالية غير الواقعية غير المنطقية الظالمة التي تقدر بدلات استملاك العقارات المخصصة للنفع العام.

v تم تقدير ودفع بدل استملاك المتر المربع أرض ضمن المخطط التنظيمي في مدينة دمشق بـ 250 ليرة سورية بينما قيمة المتر المربع الحقيقية في نفس الموقع بالسعر الرائج هو 25000 خمس وعشرون ألف ليرة سورية .

والسؤال المطروح هل بإمكان الخبرات الوطنية من مساعدة الحكومة بتقديم أفكار وطرق بديلة لتجتاز الحكومة أزمة عدم القدرة على تسديد القيم الحقيقية للأراضي التي تحتاجها لتنفيذ خططها الوطنية لرفع الظلم وتجنب تكرار حوادث الفساد بالتنظيم العمراني وإخراج الحكومة من مأزقها مع الجهات الرقابية الشعبية المتمثلة بمجلس الشعب والجهات القضائية المتمثلة بمجلس الدولة والقضاء على هذه الظاهرة بشكل علمي فني وعادل ومقبول .

إن فوائد مادية تصل لملايين الليرات من اجل تغيير صفة تنظيمية  لبضع أمتار مربعة تقدم إغراءات لا يستطيع مقاومتها أفراد الإدارة المسؤولة عن وضع وتعديل المخططات التنظيمية وهي بالوقت ذاته تشجع أي خاسر من التنظيم على تقديم جزء كبير من فوائد مالية يحلم بالحصول عليها اذا قوض له الوصول إلى التعديل المطلوب.

كان وما زال استغلال هذه الفجوة في التخطيط العمراني سببا في الحصول على منافع مادية كبيرة وتورط العديد من الزملاء المهندسين بقضايا فساد .

إن مسؤوليتنا جميعا تبقى القضاء على الفساد باقتلاع أسبابه .إن مجرد القضاء على الوزمات المريضة عند ظهورها بين الفينة والأخرى لا يكفي لحل مشكلة المريض إن لم يعزز ذلك بتحري أسباب ظهورها  والقضاء على مسبباتها كي تختفي نهائيا ولا تظهر مجددا .

ان المسببات واضحة وتتمحور في الفرق الكبير بين المنافع والخسارات التي يحصل عليها المالكون عند تنظيم الأراضي واختيار الصفات التنظيمية عليها.

ماذا لو استطعنا التعويض لأصحاب الأراضي التي اختيرت لتكون نفعا عاما والتي ستؤول للاستملاك وفق السعر الرائج لمثيلاتها المخصصة للاستثمار في السكن أو التجارة كما يفرض دستورنا بمادته الخامسة عشر . هل سيتعرض إخوتنا المهندسين إلى مواقف شبيهة لما حصل وسيحصل ؟.هل سيتقدم أصحاب الأراضي بعروض مالية سخية إلى أصحاب القرار الزملاء لتغير صفة استخدام الأرض ؟. هل ستشوه مخططاتنا التنظيمية بالشكل الذي نراه ؟.الجواب طبعا لا .

لقد شعرت قياداتنا السياسية بأهمية تطوير قطاع التنظيم العمراني منذ بدايات هذه الألفية وبناء على توجيهات من السيد رئيس الجمهورية بدأنا العمل بتعديل أنظمتنا العمرانية التي كان باكورتها رفع الظلم عن الاستملاكات الجائرة في مدن مراكز المحافظات بتعديل القانون 60/1979 بالقانون رقم 26 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد بعام 2000 موجها نحو تعويض عادل في حال الاستملاك بمدن مراكز المحافظات وفقهما.

v تشريعات الاستملاك وتقدير بدلاته النافذة : 

المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983 , القانون 60 لعام 1979 , القانون 26 لعام 2000 ,القانون 3 لعام 1976 , القانون 11 لعام 1983 ,المرسوم التشريعي رقم 2405 لعام 1985 , المرسوم التشريعي رقم 437 لعام 2000 , المرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2009 .

إن مرحلة الاستغناء عن الظلم الواقع بسبب استملاك الأراضي توقف عند هذا الحد ولم تتمكن الأجهزة الفنية والقانونية في وزارة الإسكان وزارة الإدارة المحلية من التقدم الى الأمام في معالجة مواضيع الظلم في تحديد بدلات الاستملاك لسبب وحيد , وهو ضعف الإمكانيات الفكرية الفنية التي عليها مواكبة متطلبات مرحلة التطوير العمراني .إن ما قامت به الإدارات المتعاقبة من قرارات وتشريعات تمس الأنظمة العمرانية ليس إلا ذر الرماد على العيون وبقيت الأنظمة العمرانية تنوء تحت أعباء نفس الأنظمة التي إن عدلت فليس بالاتجاه الصحيح أعود وأقول لضعف في الإمكانيات الفنية وليس لأي سبب آخر.

عقدت عدة ندوات بخصوص العمران وقدمت الجهات الوصائية العليا كل دفع وإمكانية لتطوير منظومتنا العمرانية إلا أن عدم الخوض بالواقع الحقيقي للشارع العمراني وعدم تواجد الخبرة الميدانية لجملة المشاركين في هذه  الندوات جعلها تتوقف عند المعالجة النظرية كما أن تخوف البعض من إبداء  الحقيقة وعدم تفهم البعض الآخر لها وأخيرا اعتماد الوزارة المعنية على مفكر وتفكير وحيد جعل عربة التطوير العمراني تتعثر ولا تتقدم بالشكل الذي تطلبه ونتوق إليه نحن وقيادتنا السياسية.

والسؤال الآن السنا نحن المهندسين في نقابتنا خبراء الوطن مسؤولين على هذا الواقع؟ هل نضبت جعبتنا من الأفكار التي نستطيع بموجبها دفع وتغيير طريقة وأنظمة تقدير بدلات الاستملاك ؟. هل لا من طريقة أمامنا إلا معادلة التعويض التي اقترحها احدهم منذ منذ خمس وعشرون عاما في ساعة غضب.لماذا تتشبث وزارة الإدارة المحلية بهكذا معادلة ظالمة لمدة خمس وعشرون عاما ؟.التاريخ لم يتوقف فهل توقفت إمكانيات السوريين من إيجاد حلول عملية لتسديد بدلات استملاك الأراضي التي تحتاجها الحكومة لمشاريع النفع العام بقيمتها الحقيقية ,أليس الغرم يجب أن يرافق الغنم . لماذا نقوم بتغريم فرد وتغنيم آخر بنفس الزمان والمكان؟. لقد فتح لنا السيد الرئيس ومنذ بداية توليه الرئاسة باب القيام بتجديد التشريع وليس فقط , بل وفتح باب تقديم الأفكار الجديدة .فهل جفت مآقلنا عن تقديم حلول وأفكار تحقق عدالة دفع بدلات الاستملاك.ما من دورة لمجلس الشعب إلا وشكت ظلم الاستملاك.العديد من اللجان شكلت في مجلس الشعب وبقيت الحال على ما هي عليه تطبيق معادلة الشؤم لتحديد بدلات الاستملاك. تعالوا نتنادى إلى اقتراح طرق أخرى وأفكار جديدة نتناول بها طرق وضع وتنفيذ مخططاتنا التنظيمية نحقق العدالة نؤمن المشاركة الشعبية ونرفع الظلم القائم والفساد المستوجب.

لنتعاون عن طريق نقابتنا برعاية هذا الموضوع ومساعدة وزارة الإدارة المحلية والجهات المعنية في وضع أسس جديدة للتعويض عن الملكيات الخاضعة للنفع العام .

إن ما جاء في معادلة حساب تعويضات الاستملاك أصبح مستهجنا ومقيتا وخاصة في طور ما نراه من تهافت على الاستثمار بالعقار وارتفاع بأسعاره.

لتنادي نقابتنا بمسابقة أفكار لتعديل طريقة تحديد بدلات الاستملاك  بما يحقق مصلحة الإدارة والمالك ويبعد وقوع  الزملاء المهندسين في متاهات تهم الفساد .لنجد الاسلوب الأمثل لمشاركة المالكين والمعنيين بوضع المخطط التنظيمي منذ ولادته وتكون الشفافية هي الطريق الوحيدة في أعال التنظيم وأساليب تنفيذه بذلك نكون قد حققنا المعجزة التي نصبو إليها منذ عقود.

دمشق 1-3-2011

االباحث : حسام صفدي

 
تعليق واحد

Posted by في 08/03/2011 بوصة آراء ودراسات

 

1 responses to “الطريق إلى تحصين الزملاء المهندسين العاملين في مدينة حلب .. حسام صفدي

  1. د. احمد ناصر صادق

    22/04/2011 at 4:46 م

    الاستاذ حسام الصفدي
    اشكرك على جملة المواضيع التي نشرتها واتمنى ان تستمر في نشرها من خلال مدونتك .

    خلال فترة عمل قصيرة لي في سورية مع مهنةدسي تخطيط المدن في حلب لفت نظري موضوع استملاك الاراضي بحسب الوظيفة اوليس كمنطقة كاملة للتطوير . اتفق معك بان هذا الامر يفتح بابا واسعا للفساد كما اعتقد انه احد الاسباب الرءيسة لفشل معظم خطط التطوير العمراني في بلدنا الحبيب

    شكا لجهودك

     

أضف تعليق